فرخ حمام


لم تكد تنهى دورها فى لعبها مع صديقات الشارع حتى صرخ فيها أبوها مناديا، ارتعد جسدها خوفا فربما اكتشف مع رجوعه من الغيط تسللها للشارع كما كل يوم ، هيأت نفسه للعلقة اليومية المعتادة ، إلا إنه كان يتبادل الهمس مع أمها فى كلام لم تستطع أن تلتقط منه حرفا واحدا فاستغلت انشغالهم ودلفت مسرعة إلى الحمام وخلعت ملابسها المتسخة من اللعب استعدادا للاستحمام ما أن همت بخلع سروالها الداخلى حتى راعها لون أحمر قانى يلوث قاعه، استفاقت من صدمتها على أمها وقد فتحت باب الحمام لتناولها الملابس النظيفة  فاسرعت لتوارى ملابسها خوفا من امها التى أسرعت بدورها لتلتقطه منها وما أن رأته حتى ضحكت ساخرة منها ، والله وكبرتى يا بت يا زهوة ، من هنا ورايح يا بت مفيش لعب مع العيال فى الشارع وحسك عينك أعرف انك اتسحبتى وطلعتى عالجسر تجرى مع الصبيان وتلعبوا ضرب زى زمان. 

زمان؟؟ تعجبت زهوة من كلام الأم فزمان هذا الذى تقصده ليس إلا من ساعة تقريبا ومع ذلك أومأت لها برأسها طائعة موافقة.

على سريره اضجع الأب يتناول فى تأنى فصوص البرتقالة التى فصصتها له زوجته قبل أن تغيب برهة إلا إن عودته ضاحكة قطعت عليه استرسال افكاره ، مالك يا ولية؟؟

زهوة يا حاج خرطها خراط البنات ونزل عليها دم الستات، وكأن الأحداث ماشية مع بعضها ، هكذا همس الرجل لنفسه قبل أن يبادرها بالكلام: يعنى أقول للراجل موافقين؟؟

 طبعا موافقين، هو احنا هنلاقى احسن من كدة نسب؟؟ راجل مقتدر ومن عيلة كبيرة وأصيلة  وهيعاملها زى بنته

 بس دى مش أول جوازة ليه يا ولية والبت عيلة لسة متفهمش حاجة

بكرة تفهم وتتعلم وتملأ له البيت عيال كمان

يبقى على خيرة الله

 قامت الأم وتوجهت لبنتها فى الحمام فوجدتها مازالت على ذهولها الذى تركتها عليه غير عابئة بصرصار ضخم يعبث على حائط الحمام وهى التى كانت ترتعب من رؤية النمل بجوارها ، أمسكت الأم بليفة النخل البنية ومررت الصابونة عليها مرات عدة حتى تكونت عليها رغوة لا بأس بها وامسكت بذراع بنتها وبدأت بتلييفها وصب الماء الدافئ عليها موجهه حديثها إليها : طول عمرك يا زهوة من يوم ما بطنى جابتك وانت أحلى بنات البلد ، شعرك فاتح طالعة لستك أم ابوكى الله يرحمها بيقولوا كانت فلقة قمر ، أنا مشوفتهاش بس كل اللى يشوفك يقول انك حتة منها ، تبدأ فى تحريك الليفة على براعم ثدييها الليمونات فى حجمهما لكنهما تنبآن بتفاحتين شهيتين عما قريب تمرر الليفة عليهما فتنكمش زهوة خجلى مع قليل من ألم ، بتتكسفى يابت ؟؟ بتتكسفى من أمك يا هبلة؟؟ 

أومال هتعملى إيه مع العريس أما يعصر الليمون ده ولا يمكن ساعتها يكونوا بقوا برتقال؟؟ 

تعجبت من كلام أمها وطريقتها التى تغيرت معها ما بين ساعة وأخرى ، شعرت أن بعض ستارات الحياء بينها وبين أمها قد انزاحت وربما اختفت ولكنها لم تفهم السبب ولم يساعدها عقلها على الربط بين تلميحات أمها ودم السروال الذى باغتها منذ قليل ، من الآن يا زهوة صحباتك لو عايزين يلعبوا معاكى يأتون إلى هنا 

لعب شوارع ونط فى الترعة وصراخ فى الشارع خلاص راح وراحت أيامه يا عروسة يا عسل إنت يا أم شعر أصفر 

تمضى الأيام وتتبدل حال الدار وتأتى فى زيارات متعددة سيدات غريبات وولائم ورجال غرباء مع الأب فى المضيفة ، كل ذلك كانت زهوة قاسم مشترك فيه ، لم تفهم معظم كلام السيدات ، ولكنه كان يشبه كلام الأم فى تلك الليلة ، فهمت منه إنها ستنتقل للعيش فى بيت تلك السيدة التى تجلس بجوارها والتى تتقرب لها بطريقة لاذعة منفرة عجز عقلها عن تقبلها ، بل إنها تجرأت وتلمست ثدييها وضحكت ساخرة ومع ذلك وجدت أمها تضحك مع السيدة وتؤمن على كلامها وتكمل عليه العيلة بكرة تكبر وتملأ داركم عيال هى كمان، ماهذا يا أمى ألم تحذرينى أن يتحسسنى أحد ؟؟ ألم تهددينى بالدبح بعد مدبحة ختانى التى شاركت فيها حريم الشارع كله لو حد قرب منى وعمل فيا 

حاجة مش ولابد؟؟ أنا لا أفهم شيئا 

إلا أن الأيام التالية جاءت وقد جلبت معاها إجابات شافية وافية عن كل ما كان غامضا على زهوة

إذ استفاقت فى يوم من نومها وبينما هى بين الصحو والنوم سمعت حديثهن   الضاحك عنها 

كن أخواتها البنات الأكبر منها والمتزوجات فى القرى المجاورة قد أتين لمساعدة الأم فى خبيز العيش الشمسى لزوم الزوار

 الذين زادوا وكثروا هذه الأيام ، تسرب لها بعض كلامهن بقى زهوة كبرت وهتتجوز يا أماااا، قولى كلام غير ده ده أنا لسة لغاية قريب كنت بغيرلها هدومها أما تقوم عاملاها على روحها وأتريق عليها خلاص هيبقى زيها زيى وهيجرى عليها اللى بيجرى عالستات ؟؟

 بلانه وحلاوة وداية ودخلة ومنديل أبيض فيه دم وقولوا لأبوه إن كان جعان يتعشى؟؟ ده احنا على كدة كبرنا ياولاد ، بس مش كبير عليها الراجل ده يا امى؟؟ ده بيقولوا متجوز اتنين وزهوة لسة صغار دى أصغر من أصغر بناته ، نهرتهم الأم وطلبت منهم خفض صوتهم حتى لا تسمع زهوة قبل أن تخبرها بنفسها ، إلا أنه بالفعل قد سمعت وفهمت وجاءها تفسير لكل ما حدث ويحدث فى بيتهم هذه الأيام ، إلا إنها أكملت فى نومها وقد استحال عقلها إلى  كتلة من الجمر لعجزها عن استيعاب ماهى مقبلة عليه أيام  أخرى مرت وجاءتها أمها شارحة لها كل ما قد مضى وغمض على عقلها الصغير وأخبرتها إنها خلال أسبوع سوف تنتقل إلى بيت زوجها وسيقام لها ليلة ولا ألف ليلة ولم لا وعريسها رجل مقتدر وهيدلعها ويهننها ويعاملها مثل إبنته. 

لم يكد ينقضى الليل حتى استيقظت زهوة على نسوة البلدة بالكامل وقد اجتمعن على الطبلة الفخارية وبين الزغاريد والتصفيق والرقص وكلمات الأغنيات الفاضحة وضحك المتزوجات واحمرار وجه الفتيات انقضت ليلة التنجيد كاملة وارتمت بعدها زهوة على سريرها وليس على بالها غير جملة من أغنياتهن " يا منجد على المرتبة واعمل حساب الشقلبة"  أى شقلبة تلك التى يقصدونها ؟؟

 ألم تخبرها امها إن اللعب واللهو قد بات ممنوعا ومن المحرمات ؟؟ أليس الزوج رجلا كبيرا عاقلا ؟؟ أين له واللعب والشقلبة ولعب الاطفال هذا؟؟

 مضت أيامها القليلة المتبقية بين الكثير من التساؤلات فى عقلها مع ارتجافات دائمة ودقات متسارعة لقلبها الغض 

حتى جاءت ليلة الحنة التى طالما ماكانت مشاركة رئيسية فيها ولكنها اليوم سيدتها الأولى  ، عجوز شمطاء جاءتها منذ الصباح الباكر واغلقت عليهما الأم باب الغرفة ثم قامت باطلاق زغرودة طويلة سرعان ما ردت عليها كل بنات الحى بمثلها بل وبأطول منها  انقضى الصباح بين نزع شعر جسمها وتحفيف وجها وتزجيج حاجبيها البكر وانتهاءا بالاستحمام 

وتخضيب يديها وقدميها بالحناء والإكتفاء هذه المرة بمشاهدة البنات والأطفال وهم يتراقصون حولها بينما هى فى وسط بحر متلاطم الأمواج لا تكاد قدميها أن تلامس أرضه. 

ومع قدوم المأذون فى ليلة الزفاف تتعالى الزغاريد وتشتد حرارة الاغانى والأهازيج ويتعالى صوت طلقات الرصاص من  

شباب العائلة بالخارج وبينما الأب منهمك فى عقد القران واضعا يده بيد رجل يكاد يقاربه سنا،   كانت سيدات العائلة يتأهبن لطقوسهن المعتادة فى مثل هذه الليلة ، فبعد أن أكملن تزيين العروس وأنهين إمدادها بالنصائح المعتادة تم أقتيادها إلى غرفتها والتى أعدت لها فى بيتها الجديد ، انتظارا لقدوم الزوج ،  تعالت الأغانى والزغاريد  وزادت حدة الطبل والزمر ، وتغامزت السيدات وتمنت الفتيات ليلة مش تلك الليلة أو حتى نصفها ،  ومع وصول منديل البشارة المخضب بالدماء ، دوت طلقات الرصاص متتالية وترددت الزغاريد تشق عنان السماء معلنة ذبح فرخ الحمام. 

انتهى ....

فرخ حمام 

تأليف


الدكتورة \ علا محمد عبدالمنعم 

صيدلانية وروائية مصرية 

حواديت علا 


Comments
* The email will not be published on the website.